بقلم الدكتور ابراهيم عبدالله المطرف
يؤكد الإسلام على القواسم المشتركة بين الأديان السماوية ، ويعتبر أي محاولات لتعميق الخلاف بين هذه الأديان أمرا مرفوضا من قبل الإسلام ، الذي حدد موقفه تجاه الآخر منذ نزول القرآن الكريم ، الذي يشير في الكثير من نصوصه إلى كيفية التعامل مع الآخر عقيدة وفكرا . ويؤكد التاريخ بأن ما عرفته الحضارة الإسلامية من تعايش بين المسلمين وغيرهم في الأندلس لقرون عديدة ، ماهو الا تطبيق سليم لذلك الموقف القرآني في معاملة الآخر .
وبالنظر إلى واقع علاقات الإسلام بالغرب ، يتبين لنا أن الغرب يشهد بروز اتجاهات سياسية وفكرية تحمل قدرا من العداء للإسلام ، كما يتضح لنا أيضا ، وجود خطابات عدة عن الإسلام ، يتوخى بعضها رسم صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين ، ويتبنى الآخر منها الحوار والتواصل ، ويميز أصحابه بين الإسلام كدين ، والإسلام كممارسة وتجربة بشرية .
لقد أصبح الغرب يتخوف من الإسلام كبديل حضاري وسياسي ، ما دفع بالنخبة المحافظة فيه ، إلى تبني الصدام الحضاري ، علما بأنه يوجد في العالم الإسلامي خطابات مماثلة لما هو في الغرب ، فهناك الخطاب الذي يتبنى المواجهة ، وهناك الخطاب الذي يرى أهمية الحوار مع الغرب .
هذا الواقع يعني ، أنه بات العمل على تصحيح الصورة النمطية عن الإسلام في الغرب عملا “ملحا وضروريا” في هذه المرحلة . وقد جاءت الدعوات لتصحيح صورة الإسلام في الغرب ، خلال العديد من اللقاءات الرسمية التي عقدت تحت مظلة القمة الإسلامية ، ورابطة العالم الإسلامي ، ومنظمة التعاون الإسلامي ، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم ، وجامعة الدول العربية ، وغيرها من الهيئات الرسمية وشبه الرسمية الإسلامية .
وعند الحديث عن الحوار بين الإسلام والغرب ، فانه لابد من الإشارة إلى تأكيد ذوي الإختصاص ، بأن عدم وجود منبر يتحاور ويتواصل من خلاله المسلمون مع الرأي العام الغربي ، قد أدى إلى الجهل بالإسلام ، وأن غياب مثل هذا المنبر يكثف الصور النمطية عن المسلمين في الذهنية الغربية .
كما يؤكد ذوي الإختصاص أيضا ، على حقيقة أن سوء الفهم ونظرة الغرب الخاطئة عن الإسلام ليست جديدة ، بل أن لها جذور وعوامل قديمة تغذيها وتحركها ، وأن هذه العوامل قد تفاقمت بصورة خطرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، من خلال توظيف “مغرض” أضر كثيرا بفرص التلاقي بين الغرب والإسلام ، وعطل كثيرا من فرص التعاون بين الجانبين . وقد جاء ذلك في الوقت الذي تبرز فيه ، حقيقة أن الغرب في حاجة للعالم الاسلامي ، لأن سلام العالم لن يتحقق دون تعاونهما ، وأن العالم الاسلامي في حاجة الى الغرب ، للإفادة من تقدمه التنموي .
ومن خلال نظرة سريعة على الجهود التي تبذلها حكومات العالم الإسلامي في تصحيح صورة الإسلام وتعزيز العلاقات بالغرب ، يتبين لنا أن هناك حاجة “ماسة جدا” لمشاركة مؤسسات المجتمع المدني في العالم الإسلامي في دعم الجهود الرسمية ، وأن توجها مثل هذا يتماشى مع سياسات الحكومات والهئيات الرسمية في العالم الإسلامي ، وأن الهيئات الإسلامية تشجع المجتمع الدولي على العمل معها على إبراز مخاطر التعصب والتمييز ضد العالم الإسلامي ، وتدعوا إلى مزيد من التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني الإسلامية ونظيراتها في الغرب ، والى مضاعفة الجهد في تفعيل الحوار .
وفي هذا الصدد ، يؤكد الكاتب على أنه من غير المجدي أن تخضع مهمة تصحيح صورة الإسلام للدول والمنظمات الإسلامية والعربية الرسمية التابعة لها “فقط” ، ويرى أن “الصيغة الأكثر فاعلية” هي أن تشارك مؤسسات المجتمع المدني في تنفيذ استراتيجيات تصحيح المفهوم الغربي للإسلام ، وفي تعزيز علاقات الإسلام بالغرب .
وحقيقة الامر ، أن المسلمون ليسوا في حاجة إلى تدارس الصورة الذهنية لدى الغرب عنهم ، ولكنهم بحاجة إلى البحث عن الإستراتيجيات المناسبة لتحسين الصورة الذهنية عنهم . وفي الوقت نفسه ، فانهم بحاجة أيضا إلى الرفع من مستوى “الوعي” بقضية تصحيح صورة الاسلام والاهتمام بها ، داخل العالم الإسلامي نفسه .
ويرى الكاتب ان المجتمع المدني في العالمين الإسلامي والغربي ، في حاجة الى التأسيس لأرضية مشتركة ، وبعقلية وسطية متوازنة ، تساهم في تحقيق التواصل بينهما بعيدا عن التصادم ، وبناء علاقة ثقة ورؤية مستقبلية جديدة من خلال عمل مدني مشترك ، للدفع بالجهود المدنية في سد الفجوة الناتجة عن ضعف الدور المدني في بناء العلاقات وتطوير مستوى الحوار بين الجانبين ، وهو توجه يتوقع له أن يحظى باستحسان مكونات المجتمع المدني الإسلامي والغربي ، ومن القيادات السياسية والدينية والمهنية والهيئات والمنظمات والجمعيات والجامعات في العالمين الإسلامي والغربي ، وأن يحظى أيضا باهتمام ورعاية خاصة من قياديي مؤسسات المجتمع المدني ، ومن رجال القكر ، والأكاديميين ، ورجال القانون والمال والأعمال ، والصحافة والاعلام والتربويين ، وغيرهم من شرائح ومكونات المجتمعات المدنية الإسلامية والغربية .
لقد شهد المجتمع الدولي على مر السنين ، تداخلا في العلاقات بين مختلف الشعوب والأمم ، وفي شتى المجالات والميادين ، وبشكل يجعل المتفائلين منا يستبعدون أمر المواجهة ، وذلك من منطلق أن ألاصل في عمق وطبيعة الحضارات هو التواصل ، ولأن العالم ، ورغم ما يحدث فيه من توترات هو عالم الحوار والتعاون المتبادل . ويرى الكاتب أنه ليس لدى المجتمع الإسلامي والغربي سوى خيار الحوار ، الذي لابد لهما من النجاح فيه ، فالغرب غير قادر على تجاهل وجود العالم الإسلامي ، والعالم الاسلامي غير قادر على تجاهل وجود الغرب ، ناهيك عن ان استقرار العالم وأمنه وسلامه ، يتوقفان على إنطلاق حوار جاد وشامل وصادق في قضايا العلاقات بين الإسلام والغرب . ويرى الكاتب أنه برغم ومقدار الشكوك ، حول قيام حوار صادق بين الغرب والعالم الإسلامي ، فان اكتشاف مساحات وقواسم التعاون والتعايش المشتركة بينهما ، يجعل الثقة كبيرة بنجاح الحوار .