في ظل الأنهيار المالي المخيف الذي يشهده لبنان مع تخطي الدولار عتبة ال 8000 ليرة وبعدما عجزت المصارف عن تأمين التحويلات المالية إلى الخارج لشراء الضروريات الحياتية للبنانيين ومع المسار الصعب للمفاوضات التي تجريها الحكومة اللبنانية مع البنك الدولي من أجل تأمين القروض المالية لشراء أساسيات الغذاء للشعب اللبناني لسنة واحدة، أصبح من الضروري جداً وضع خطة طوارىء وطنية لإستنباط حلول تستطيع أن تخفف من وقع الأزمة وتمنع المجاعة عن اللبنانيين في السنوات القادمة. حتى لو نجحت المفاوضات مع البنك الدولي وأستطاع لبنان الحصول على الموارد المالية التي من الممكن أن لا تتخطى عدة مئات من ملايين الدولارات، وهذا اقصى ما يمكن أن يقدمه البنك الدولي وذلك مقابل أجراءات تقشفية صعبة جدا وضرائب مرتفعة ستصيب الأقتصاد اللبناني بمقتل حيث لن يكون له أي قدرة على النهوض لسنوات طويلة، لن تشكل هذه القروض أي حل حقيقي وطويل الأمد لأزمة لبنان المالية والأقتصادية. ففي السنة التالية، سيحتاج لبنان إلى عدة مليارات من الدولارات لتأمين الغذاء والدواء للشعب اللبناني وسيكون هناك أستحالة لأن يقدم البنك الدولي على تقديم قروض جديدة مرة أخرى في ظل الأنهيار المالي الذي سيتجذر أكثر في السنوات القادمة. الأستنتاج البسيط هو أن الشعب اللبناني لن يجد من يساعده وسيصبح غير قادر على شراء طعامه في نهاية العام أي بعد أشهرٍ قليلة.
إذا كانت الحلول من الخارج غير ممكنة أو محدودة التأثير، فهل هناك من حلول وطنية؟ ما هي الوسائل المتاحة داخلياً التي من الممكن بأن ترفع هذا الكابوس المخيف عن الشعب اللبناني وتمنع تشتيته في أصقاع العالم، مرة أخرى، هرباً من المجاعة كما حصل في عام 1914. فبحسب الكثير من الخبراء، المجاعة قادمة لا محال وما أعتراف رئيس الحكومة، الدكتور حسان دياب، بذلك إلا بمثابة تحذير وأعتراف رسمي بأن الأشهر والسنوات القادمة على لبنان ستكون صعبة جداً وقد تؤدي إلى كارثة كبرى على المستوى الأجتماعي والديموغرافي. لقد نشرت الحكومة اللبنانية مؤخراً خطة مواجهة الأزمة ولكنها تركزت على كيفية الخضوع لشروط مؤتمر سيدر من أجل الحصول على بضعة مليارات لإعادة إطلاق عجلة الأقتصاد اللبناني أعتباراً من 2022 ولكن هذه الخطة لم توضح كيف ستقوم الحكومة بتطوير القطاعات الإنتاجية في لبنان وعلى رأسها القطاعين الزراعي والصناعي اللذان سيشكلان، بحسب الكثير من الخبراء، الركيزة الأساس لإخراج لبنان من أزمته ولمنع المجاعة عن شعبه وإعادة أطلاق العجلة الأقتصادية من أجل بناء أقتصاد وطني حقيقي مبني على زيادة كبيرة في دور الزراعة والصناعة في الناتج المحلي الأجمالي.
الدكتور حسّـان مخلوف، أستاذ في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، باحث وخبير في مجال التربة والزراعة، له الكثير من المقالات العلمية كما نشر عدة كتب في فرنسا حول زراعة نباتات المخدرات في لبنان ودورها في الأقتصاد الريفي في منطقة بعلبك-الهرمل. وهو أيضا خبير في مجال الزراعة البديلة والتنمية المستدامة وأدخل عدة زراعات جديدة إلى لبنان نذكر منها الزعفران والجوجوبا.
تقدم الدكتور مخلوف بخطة زراعية متكاملة لمواجهة المجاعة القادمة ولتفعيل دور القطاع الزراعي في الأقتصاد الوطني حيث تسعى هذه الخطة إلى زيادة المساحات المزروعة لتغطية حاجات الشعب اللبناني من المحاصيل الأستراتيجية من جهة، وإلى رفع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي من 3 % حالياً إلى أكثر من 11 % على أساس ناتج محلي مقدر ب 70 مليار دولار في عام 2030 من جهة أخرى. كما تتطلع الخطة إلى محاربة البطالة من خلال تأمين العمل لحوالي 20 % من اليد العاملة في لبنان.
لقد حوت خطة الدكتور مخلوف على فرضيات وأهداف واضحة حيث فصّلت الأسس والآليات التي يجب أتباعها من أجل الوصول إلى الأهداف الموضوعة وقدمت منهجية عمل دقيقة حيث فندت الوسائل والتقنيات التي ستستخدم من أجل تنفيذها وحددت الأولويات بشكل مبسط مع البرنامج الزمني للتنفيذ والنتائج المتوخاة. هذه الخطة الزراعية العشرية مصاغة بشكل أجرائي واضح وتتمتع برؤية جديدة تهدف إلى نقل القطاع الزراعي اللبناني من حال التردي والأحباط إلى مساهم أساسي في بناء الأقتصاد الوطني من خلال زيادة قيمة الأنتاج الزراعي من 2.1 مليار دولار حالياً إلى 8 مليار دولار في 2030 من خلال رفع المساحة الزراعية المستثمرة سنوياً إلى 350 ألف هكتار خلال فترة عشر سنوات عبر تنفيذ مشاريع أستصلاح الأراضي ومشاريع الري التي تتناسب مع طبيعة لبنان الجيولوجية مع التركيز على زيادة المساحات المزروعة من المحاصيل الأساسية التي تدخل في السلة الغذائية للبنانيين كالقمح والبقول الجافة. كما تحدد الخطة بشكل واضح الأجهزة التي ستقوم بالتنفيذ والمراقبة والأطر التشريعية التي يجب أن تواكب التنفيذ من أجل الوصول إلى الأهداف المبتغاة.
ومن أهم الأفكار التي طرحها الدكتور مخلوف في خطته هي تطوير النظم الزراعية المتبعة حالياً في لبنان والتي سببت تدهور حال التربة وتراجع أنتاجيتها بشكل خطير والسير بإتجاه نظام الزراعة المجددة Regenerative Agriculture التي تم أطلاقه عام 2014 والذي يهدف إلى إعادة تأهيل التربة الملوثة بسبب الأستعمال المفرط للأسمدة الكيماوية والأدوية الزراعية وإلى تجدد التربة من خلال العملية الزراعية نفسها وذلك باستعمال وسائل حيوية طبيعة تحافظ على الموارد الطبيعية وعلى التنوع الحيوي وقد أشار في معرض خطته إلى أنه تمكن من تطوير هذه الوسائل الحيوية محليا وأصبح لبنان قادر، من خلال هذه الوسائل، على توفير أستيراد عدد من المدخلات الزراعية. إن تطبيق الزراعة المجددة يسمح أيضاً بالحصول على منتجات ذات جودة عالية خالية من الترسبات الكيميائية مما يساهم بتأمين غذاء صحي للبنانيين ويحد من أنتشار الأمراض المزمنة والخطيرة ويخفف بالتالي من قيمة الفاتورة الصحية وهذا ما ينعكس أيجاباً على مالية الدولة. كما أن المنتجات الخالية من الترسبات والمطابقىة للمعايير الدولية فيما يتعلق بالجودة، هي سهلة التصدير مما يساهم في رفع قيمة الإنتاج الزراعي وتخفيض العجز الحاصل في الميزان التجاري اللبناني.
لقد أوضحت الحكومة بأن الوزارات المعنية تستعد لوضع خطة متكاملة من أجل مواجة الأزمة وإعادة أطلاق عجلة الأقتصاد. إن خطة الدكتور حسان مخلوف المبنية على مقترحات عملية ومحددة تشكل أساساً صحيحاً من أجل بناء قطاع زراعي حديث يستطيع تأمين الحد الأدنى من الأمن الغذائي للبنانيين ويحافظ على الموارد الطبيعية ويشكل رافعة أساسية للأقتصاد الوطني خلال السنوات القادمة.
للإطلاع على الخطة نرجوا الضغط على الرابط.