أصبح من الصعب جداً أقناع اللبنانيين بأن الأزمة المالية الحادة التي قضّت مضاجعهم في الأشهر الأخيرة لن تؤدي إلى نقص حاد بالمواد الغذائية الأساسية وخاصة أن تأمين هذه المواد يأتي، بشكل أساس، من الأستيراد الذي أصبح عملية معقدة نظراً لعدم قدرة المصارف اللبنانية على تأمين الدولار للقيام بالتحويلات المالية اللازمة إلى الخارج من أجل أستيراد هذه المواد الغذائية. وتشير المعلومات المستقاة من أصحاب الشركات المستوردة بأن لدى لبنان مخزون محدود من هذه المواد قد يكفي لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وسنة على الأكثر وذلك بحسب نوع المنتج. من هنا يأتي طرح السؤال حول جهوزية لبنان لمواجهة أزمة الغذاء التي ستقع لا محال خلال الأشهر القادمة في حال لم يكن هناك من حلول وحول أمكانية البلد الذاتية لتأمين الحد الأدنى من الأمن الغذائي النسبي وذلك من خلال تفعيل قطاعاته الإنتاجية وخاصة قطاع الزراعة وتربية الحيوان من أجل إبعاد شبح المجاعة الذي بدأ يلوح في الأفق.
قبل الغوص في شرح المخاطر الكبيرة التي سوف يواجهها البلد في الأشهر القادمة نتيجة للنقص الحاد في المواد الغذائية، لا بد من تحديد مفهوم “الأمن الغذائي” وتحديد بعض المصطلحات المرتبطة بهذا المفهوم والتي تساعد على فهم أوسع للمتغيرات التي تؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي للدول والشعوب.
تعرّف منظمة الأغذية والزراعة الدولية ألأمن الغذائي Food security على أنه قدرة الدول على تأمين الطعام لشعوبها لتمنع عنها الموت جوعاً بسبب عدم توفر الغذاء. تقوم الحكومات عادة بوضع معايير حول الأمن الغذائي وذلك عبر تقدير نسبة المواطنين الذين يستطيعون تأمين ضروريات الغذاء بأسعار مقبولة وذلك بهدف التحضّر لمواجهة أي إنقطاع مستقبلي أو عدم التوافر الحاد للمواد للغذائية بسبب عوامل خطر مختلفة كالحروب والكوارث الطبيعية وقطع طرق الأمداد ومشاكل المناخ التي تؤدي إلى تراجع عملية الإنتاج الزراعي. يمكن تأمين الأمن الغذائي بواسطة “الإكتفاء الذاتي” أي أن ينتج البلد كل احتياجاته من الغذاء الأساسي على أرضه أو بواسطة قدرته على شراء هذه الأحتياجات الغذائية من الخارج تحت أي ظرف بأسعار مقبولة. ويشكل الأكتفاء الذاتي الضمانة الأكيدة للدول في عملية تأمين أمنها الغذائي من خلال أستغلال الموارد الطبيعية للبلاد كونها لا تخضغ لأي متغيرات أو عوامل خارجية يصعب السيطرة عليها وبذلك هي ترتكز على قطاعاتها الأنتاجية لتأمين المحاصيل بقدرات ذاتية مستقلة تماماً عن أي دولة أخرى. إن الدول التي تستطيع تأمين الأكتفاء الذاتي هي عادة دول كبيرة لديها موارد طبيعية ضخمة وتقنيات متطورة ومتنوعة لا تتأثر بالعوامل المناخية في العملية الأنتاجية. أما في البلاد الفقيرة التي تعتمد على الأمطار في عملية إنتاج المحاصيل لتأمين أمنها الغذائي فإن الأكتفاء الذاتي يخضع لعوامل المناخ المتغيرة وبالتالي، عندما تقل المتساقطات ويضرب الجفاف، تعجز هذه الدول من تأمين الأكتفاء الذاتي الغذائي وبسسب الفقر وعدم توفر الموارد المالية، لا تستطيع هذه الدول أستيراد المواد الغذائية فتحدث فيها مجاعات تتسبب بموت الآلاف من الناس.
بالعودة إلى الواقع اللبناني وبكل أسف لم تقم أي حكومة بوضع خطط مدروسة لمواجهة أي أزمة غذاء قد يتعرض لها البلد. فمنذ إنتهاء الحرب الأهلية وحتى يومنا هذا، بنيت السياسات الغذائية في لبنان على أساس أستيراد ما يلزم من المواد الغذائية الأساسية وخاصة القمح والحبوب والبقوليات الجافة التي تلعب دورا مهما في السلة الغذائية للبنانيين. هذا الأمر أدى إلى تراجع أهتمام المزارعين بهذه الزراعات فتراجعت المساحات المخصصة لها ولم يعد الإنتاج المحلي يغطي إلا جزءاً صغيراً من حاجة السكان. من هنا، يمكن القول بأن القطاع الزراعي لم يتحضر لمواجهة أي أزمة غذاء في لبنان وسيكون عاجزاً أمام مسألة تأمين الغذاء للبنانيين في حال أستفحلت الأزمة المالية وعجزت المصارف عن تأمين التحويلات اللازمة لأستيراد ما يلزم من المواد الغذائية أو في حال تنفيذ أي حصار تجاري مباشر أو غير مباشرعلى لبنان. نشير إلى أن السلطة في لبنان لم تفكر يوماً بإتباع سياسة التنويع في الدخل حيث تُستثمر أموال القطاعات الأكثر أنتاجاً في القطاعات الأقل أنتاجاً من أجل تحفيز هذه الأخيرة لتلعب دورها في تطوير وتحصين الأقتصاد الوطني ودفع عملية النمو من أجل تحقيق الأستقرار الأقتصادي والأجتماعي. والنتيجة الآن هو أن قطاع الخدمات أنكشف وأصبح عاجزاً عن ضمان الأستقرار المالي والأجتماعي في لبنان كما أنه وبنتيجة الأهمال التاريخي للقطاعات المنتجة والمشغلة الأخرى كالزراعة والصناعة فإن هذه القطاعات لن تستطيع تأمين أدنى مقومات الأمن الغذائي وحماية اللبنانيين من المجاعة.
الصور المروعة للمجاعة الكبرى على جبل لبنان 1915-18
أن لبنان سيواجه تحديات حقيقة في الأشهر والسنوات المقبلة في مجال تأمين الغذاء. فبالرغم من قدرة اللبنانيين على الصمود في وجه الأزمات، إلا أن الواقع الحالي يشير، ونحن لم ندخل في الأزمة الحقيقية بعد، إلى أن جزاً كبيراً من الشعب اللبناني بدأ يشعر بالقلق نتيجة للأرتفاع السريع لأسعار السلع الغذائية حيث أنه خلال شهرين أرتفعت الأسعار ما بين 20 و 40 % كما أن عدداً من المواد المستوردة بدأ يختفي من السوق. إذا لم يكن هناك من حلول للأزمة المالية في لبنان خلال أسابيع، فمن المتوقع أن تتعمق الأزمة اعتباراً من شهر آذار 2020 حيث سيكون المخزون الموجود لعدد من المواد الغذائية قد أستنفذ وخاصة فيما يتعلق بالقمح، باللحوم الحمراء، بالحليب ومشتقاته وبعدد كبير من الحبوب والبقول الجافة والزيوت النباتية. كما ومن الصعب أن يستمر إنتاج الدواجن كون هذا الأمر متعلق، بشكل مباشر، بتأمين العلف من الخارج وهذا ما يحتاج إلى تحويلات مالية مقدرة ب 15 مليون دولار شهرياً وهو أمر صعب التحقيق في ظل عدم قدرة المصارف على القيام بهذه التحويلات. كما سيختفي عدد كبير من المنتجات الغذائية المصنعة كونها في الأساس تتكل على أستيراد الكمية الأكبر من المواد الأولية من الخارج. هذا الأمر سيؤدي إلى نقص حاد في المواد الغذائية وإلى حدوث مجاعة كبيرة في لبنان ويصبح الشعب اللبناني بحاجة لمساعدات غذائية ليستطيع تخطي الأزمة وربما سيكون هناك برنامج غذائي أممي تكون نتيجته خسارة الثروة النفطية حتى قبل أستخراجها.
كل المعطيات تشير حتى الآن بأن الأزمة واقعة لا محال وبأن فقدان المواد الغذائية من السوق اللبنانية وحدوث مجاعة هي مسألة وقت فقط. ويبدو أيضاً بأن الحلول ليست في متناول اللبنانيين نظراً لتداخل هذا الأمر وأرتباطه بأزمات مالية وسياسية على الصعيد المحلي، الأقليمي والدولي. من هنا، لا بد من أن نطرح السؤال حول كيفية مواجهة المجاعة القادمة في حال صدقت التوقعات ووقعت الأزمة وما هي الخطة الوطنية التي يجب العمل عليها لتخفيف نتائجها السلبية على المستوى الأجتماعي والديموغرافي وما يجب القيام به لحماية الشعب اللبناني من الموت جوعاً؟
للإجابة على هذه الأسئلة ولكي نستطيع وضع خطة مواجهة وطنية لا بد من إجراء جردة لما نمتلكه من موارد طبيعية وقدرات تقنية من الممكن أستغلالها في هذه المواجهة.
تقدر مساحة الأراضي الزراعية في لبنان بحوالي 658 ألف هكتار أي ما يعادل 63 % من مجمل مساحته لكن المساحة المستثمرة هي بحدود 260 ألف هكتار. إن الأراضي المروية التي تعتبر ركيزة الإنتاج الزراعي مقدرة، حسب آخر الدراسات، ب 120 ألف هكتار أي حوالي 47 % من مجمل المساحة الزراعية المستثمرة. إن الأراضي المزروعة بشكل سنوي من مجمل الأراضي المروية هو بحدود ال 95 ألف هكتار. إذا ما أضفنا إلى هذا الرقم مساحة الأراضي البعلية التي يتم استثمارها، سنوياً، من قبل المزارعين في مختلف المناطق الريفية في لبنان والتي هي مقدرة ب 28 ألف هكتار، فهذا يسمح لنا بأن نقدر المساحة الإجمالية التي تدخل في دورة الاقتصاد الزراعي اللبناني ب 123 ألف هكتار أي ما نسبته 18.7 % من مجمل الأراضي الزراعية في لبنان. هذه الأراضي تؤمن تشغيل حوالي 6 % من مجمل القوى العاملة التي تمتلك خبرات وكفاءات بشرية عالية في مجال العلوم الزراعية ولديها امكانات إنتاجية مقبولة على مستوى المكننة الزراعية.
تقدر قيمة الإنتاج الزراعي اللبناني حالياً بحوالي مليارين ومائة مليون دولار وبلغت قيمة الصادرات الزراعية حوالي 700 مليون دولار فيما الواردات هي بحدود 3.5 مليار دولار أي ما يعادل 80 % من الأحتياجات الغذائية. يتوزع الإنتاج الزراعي اللبناني على زراعات متنوعة ولكن النسبة الأكبر منها لا تعتبر من الزراعات الأساسية التي تدخل في عملية تأمين الحد الأدنى من الأمن الغذائي. بشكل عام وفي الظروف العادية ومع وجود أمكانية أستيراد المواد الغذائية الأساسية من الخارج، يوجه المزارع أستثماره نحو الزراعات التي تتمتع بقيمة عالية في السوق وهذا أمر طبيعي كون هذه الزراعات تعود بمردود مالي أكبر عليه وهذا ما ينطبق، بشكل كبير، على زراعة الحبوب والبقوليات الجافة كالحمص والفاصوليا والعدس والفول التي تلعب دوراً مهما في السلة الغذائية ولكنها زراعات غير مربحة أو ذات مردود قليل نظرا لوجود منتجات مستوردة من الخارج بأسعار منافسة.
إذا ما وقعت المجاعة في لبنان، على القطاع الزراعي اللبناني أن يتمتع بدينامية كبيرة وأن يتحول بأسرع وقت ممكن نحو الزراعات التي تستطيع تأمين الحد الأدنى من الأمن الغذائي والتي سيزداد الطلب عليها مما سيساهم برفع أسعارها بشكل كبير. لقد دلت التجارب على أن محاربة المجاعة تكون، بشكل أساس، بتأمين الضروريات الغذائية للشعب الجائع وهذه الضروريات تختلف من منطقة إلى أخرى في العالم. ففي بلادنا يتكون الغذاء الأساسي للشعب من الحبوب وخاصة القمح، البقوليات الجافة، الزيوت واللحوم على أنواعها، الحليب والبيض وبعض الزراعات الأخرى كالبطاطا والبندورة والبصل والتوم التي تعتبر من أساسيات المطبخ اللبناني.
من المتوقع بأن تطول الأزمة في لبنان ما بين 3 و5 سنوات وربما قد تصل إلى أكثر من ذلك في حال تعثر الحلول. من هنا فإن الخطة الزراعية الوطنية لمواجهة المجاعة تقضي بتركيز الإنتاج الزراعي على المحاصيل الضرورية لتخطى الأزمة وأهمال الزراعات التي تعتبر من الكماليات. إن أسس هذه الخطة يمكن أن تختصر على الشكل التالي:
- القمح
تبلغ حاجة لبنان من القمح في حدها الأدنى 450 الف طن منها 350 طن لصناعة الخبز. بلغ إنتاج لبنان من القمح في موسم 2019 حوالي 40 الف طن أي أن هناك عجزاً ضخما في هذا المجال. ففي حال تعثر الأستيراد فعلى القطاع الزراعي تأمين انتاج كمية من القمح تكون في الحد الأدنى بحدود 300 الف طن على أساس 70 كلغ للفرد سنويا وهذا يعني زراعة القمح على مساحة مقدرة ب 80 الف هكتار. هل هذا الأمر ممكن في لبنان؟ طبعاً وبكل تأكيد في حال وضعت خطة أستراتيجية تهدف إلى تحول القطاع الزراعي إلى إنتاج الضروريات الغذائية لمنع المجاعة ولحماية اللبنانيين من الموت جوعاً وخاصة بأن هناك الكثير من الأراضي المهملة والتي لا تسثمر وهي بالأغلب أراضي مروية ويمكن بالتالي تحويلها نحو زراعة الحبوب.
- البقوليات الجافة
ينتج لبنان حوالي 40 % من حاجاته من البقوليات الجافة وهي تزرع على مساحة 10 آلآف هكتار. علينا تخصيص ما مساحته 25 الف هكتار لإنتاج الحمص، العدس، الفول، الفاصوليا والبازيلاء والتي تؤمن غذاءً غنياً بالبروتيين ومن الممكن بأن تحل مكان اللحوم على أنواعها والتي سيتعذر إنتاجها بكميات كافية. أن تنوع التربة والمناخ في لبنان يمنحنا مرونة خاصة في أختيار انواع البقول وتوزيعها حسب المناطق للحصول على أفضل النتائج وتأمين الكميات المطلوبة. ونشير أيضاً إلى ميزة خاصة لهذه الزراعات حيث أنها من الممكن أن تنتج في الأراضي الغير مروية والتي تتلقى أكثر من 500 ملم أمطار. كما أن هذه المحاصيل تنتج، إضافة إلى حبوبها، كمية من الكسبة الغنية بالبروتيين والتي تستعمل لتغذية الحيوان.
- الزراعات الزيتية
ينتج لبنان حوالي 22 ألف طن من زيت الزيتون وهي تكفي للإستهلاك المحلي ولكن هناك حاجة لإنتاج كمية من الزيوت النباتية الأخرى كزيت دوار الشمس الذي يستعمل للقلي. هناك تجارب وخبرات في هذا المجال ولكن العقبة الكبرى هي بإيجاد البذور المؤصلة التي تتأقلم مع الشروط البيئية السائدة في مناطق إنتاج زراعة دوار الشمس التي تتركز في البقاع. في حال طالت الأزمة، سيكون هناك حاجة لزراعة الأصناف المحلية من دوار الشمس لإستخراج الزيوت منها. كما يمكن تطوير زراعة الكانولا في البقاع وهي زراعة شتوية ويمكن أن تساهم زراعتها بتحسين الدورة الزراعية إلى أن المشكلة تكمن في أستخراج الزيت منها حيث ليس لدينا التقنيات والمعدات المناسبة لذلك.
- البطاطا والبندورة
تعتبر البطاطا والبندورة من أساسيات المطبخ اللبناني. ينتج لبنان حوالي 420 الف طن من البطاطا وهي تكفي للأستهلاك المحلي. إن إنتاج البطاطا يتركز في البقاع الأوسط وعكار ويجب العمل على تنسيق العملية الإنتاجية بين المنطقتين حسب متطلبات الدورة الزراعية وحسب توزع العملية الإنتاجية بين ربيعية وصيفية. يجب تخصيص حوالي 100 الف هكتار موزعة على موسمين ربيعي وصيفي لأنتاج الكمية المطلوبة من البطاطا التي تعبر مصدر مهم للسكريات في السلة الغذائية وقد تحل مكان الخبز كمصدر لهذه السكريات.
فيما يتعلق بالبندورة، ينتج لبنان حوالي 250 الف طن وهي تكفي للأستهلاك المحلي وتساهم زراعة البيوت المحمية بحوالي 20 % من الإنتاج. تزرع البندورة على مساحة مقدرة بحوالي 5 آلآف هكتار وهي بالمجمل زراعة صيفية ويمكن تأمين هذه المساحة للحصول على كمية الإنتاج المطلوب.
يبقى أن نشير إلى أن إنتاج البطاطا والبندورة مرتبط، بشكل مباشر، بعملية تأمين البذور المؤصلة المستوردة من الخارج. يمكن أن يكون هناك حلول لتأمين بذور البندورة إلا أن بالنسبة للبطاطا فالعملية معقدة في ظل غياب التحويلات المالية. على اللبنانيين أستخراج -البذور محليا وهي طبعاً ستخسر من إنتاجيتها من جيل إلى جيل ولكن هناك حلول للتعويض عن هذه الخسارة سنتطرق لها فيما بعد.
- اللحوم والبيض والحليب
ينتج لبنان حوالي 15 % فقط من حاجته من اللحوم الحمراء وهو يستورد بقيمة 789 مليون دولار سنوياً لتغطية حاجاته الأستهلاكية. من الصعب جدا في حال إنقطاع الأستيراد أن نستطيع تأمين ما يلزمنا من هذه اللحوم وسيتراجع أستهلاكها، بشكل كبير خلال الأزمة. كما ويبدو، كما ذكرنا سابقاً، بأن صناعة الدواجن ستتوقف نظراً لأن هذا القطاع يعوّل على الأستيراد من أجل الأستمرار. لذلك علينا ايجاد بدائل محلية لهذه الحوم وهي تختصر بتطوير تربية الحيوان كالأغنام والماعز والأبقار في الأراضي التي يتوفر فيها المرعى وبإعادة تربية الدجاج في القرى على الطريقة التقليدية لتأمين جزء إضافي من الحاجات من اللحوم والحليب والبيض. وهناك طريقة سريعة وسهلة للحصول على اللحوم الحمراء والصحية ألا وهي تربية الأرانب التي تتكاثر بسرعة كبيرة وتعتبر عملية تغذيتها سهلة كونها تستهلك فضلات الخضار ويمكن أن تربى على اسطح المنازل أو في حدائق المنازل التي تؤمن لها المرعى الطبيعي.
إن إنتاج أساسيات الغذاء للبنانيين حسب ما تقدم يحتاج إلى حوالي 175 ألف هكتار أي ما نسبته 65 % من الأراضي الزراعية تتوزع على المحاصيل من خلال خطة مدروسة تهدف إلى تحقيق حالة من الأمن الغذائي النسبي بإنتظار الحلول. هذه المساحة يجب أن تخضع لخطة زراعية مدروسة تأخذ بعين الأعتبار الدورة الزراعية وتوزيع الزراعات بين المناطق والفصول.
لضمان نجاح العملية الإنتاجية والحصول على كمية وافرة من المحاصيل فنحن نحتاج إلى وسائل مادية وتقنية في أغلبها مستوردة من الخارج ونذكر هنا خاصة البذور المؤصلة، الأسمدة والأدوية الزراعية.
هناك كمية من مخزون بعض بذور الخضار كالبندورة ويمكن أن تكفي لموسم أو موسمين وعلينا فيما بعد تأمين أستخراج بعض البذور محلياً ولدينا الخبرات الفنية لذلك. ربما تكون مشكلة الحصول على بذار البطاطا المؤصلة هي الأكبر في هذا المجال ويمكن تخطيها بإعادة أستعمال الدرنات لحصول على البذار المبديْ لهذه الزراعة. كما علينا تأمين الكميات اللازمة من الأسمدة والأدوية لتسميد ومعالجة المحاصيل الزراعية لتأمين إنتاجية جيدة كماً ونوعاً.
هنا تأتي أهمية التكنولوجيا الحيوية LBMالتي يرتكز عليها برنامج تأهيل وتجدد التربة ISDAR والذي قمنا بتطويره خلال سنوات طويلة من عملنا في مجال علم التربة وحيوياتها وعلم الزراعة حيث تقدم هذه التكنولوجيا حلولاً تقنية متكاملة وطبيعية لتعزيز الإنتاج كماً ونوعاً. أن تطبيق هذه التكنولوجيا الحيوية يؤمن تجدد التربة ويجعل معادنها متاحة للنبات ويؤمن تسميد آزوتي هوائي ويحمي الإنتاج من الأمراض وبالتالي تكون المحاصيل عالية الجودة مع زيادة بالإنتاج تتخطى ال 25 %. كما يمكن لهذه التكنولوجيا أن تقدم حلأ لمسألة بذار البطاطا المحلية حيث تؤمن لها حماية من الأمراض وتسميد طبيعي جيّد مما يسمح لهذه البذور بتحقيق الإنتاجية المطلوبة. إنها تكنولوجيا وطنية لبنانية وأن تطبيقها هو الأساس لإنجاح خطة مكافحة المجاعة وهي غير مكلفة وإنتاجها لا يعتمد إلا على مواد أولية ذات منشأ لبناني.
أمام هذه الأزمة الخطيرة التي تهدد مستقبل الشعب اللبناني، علينا أن نستفيد من التجارب السابقة التي حصلت في بعض البلدان التي تعرضت للمجاعة نتيجة لأزمات سياسية وأقتصادية وأن نتحضر لأزمة الغذاء القادمة. لقد رأينا ما حصل خلال السنوات السابقة لفنزويلا، البلد الغني بالموارد والذي انهار أقتصاده وجاع شعبه نتيجة لغياب الخطط المسبقة لمواجهة هكذا أزمات. فالنتصور ما يمكن أن يكون عليه الوضع في لبنان في حال وقعت هذه الأزمة فعلاً.
نختم بالقول بأن الأقتصاد ليس وجهة نظر بل هو عملية بناء مستمرة ومرنة للقطاعات الإنتاجية التي تضمن نمو، تنوع وتطور الأقتصاد من أجل ضمان الأستقرار السياسي والأجتماعي للشعوب وتأمين أمنها الغذائي. من المؤسف أن نقول بأن مواجهة ما يحدث اليوم في لبنان هو نتيجة مباشرة لغياب الرؤية الأقتصادية الصحيحة لدى المسؤولين اللبنانيين الذين بنوا أمبرطوريات مالية واقتصادية على حساب فقراء وطنهم ولم يكن لديهم أي بصيرة لتحضير البلد مسبقاً، وخاصة القطاع الزراعي، لمواجهة أي أزمة غذاء قد تضرب لبنان.
الدكتور حسّان مخلوف
إكسب المال الآن وبسهولة عبر الإشتراك بمنصّة TOP Platform