شكّل القانون النسبي جسر العبور الذي “مشت” عليه “القوّات اللبنانيّة” لتفوز بكتلة نيابيّة وازنة في انتخابات 6 أيار الفائت ولترتقي إلى مستوى قريب من “التيّار الوطني الحر” نيابياً فتتحوّل إلى شريك قوي في التمثيل المسيحي في الحكومة المقبلة. لكنّ هذا الانتصار كان سيفاً ذو حدّين عليها، فقد زعزع أركان البيت المسيحي وكان من عوامل خراب العلاقة مع “التيّار” وسقوط “تفاهم معراب”.
ولاحقاً ظهرت الحقائق تباعاً، إذ ظنّت “القوّات” أنّ الحكومة المقبلة ستشهد ترجمة لاتفاق توزيع الحقائب مناصفة كما ورد في “ورقة إعلان النوايا” بحيث تحصل على أبعد تقدير على حقائب سياديّة وخدماتيّة أساسيّة لتصطدم بحواجز كثيرة وضعها “التيّار” برفض إعطائها حقيبة سياديّة ورفع كذلك سقف التحدي في وجهها، معتبراً أنّ مطالبها مزايدات في غير محلّها ووصل الأمر إلى حد التلويح بأنّ العهد هو عهد العماد ميشال عون وليس عهد “القوّات” أو رئيس “الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط.
وكان قرار “التيّار” واضحاً كما لمست “القوّات” في المفاوضات الحكوميّة برفض الشراكة معها وهكذا سقط “تفاهم معراب” وتحوّل الحليفان المسيحيّان في “ورقة إعلان النوايا” إلى خصمين متنافسين على الساحة المسيحيّة.
إشتدت الأزمة كثيراً ودارت “حروب إلغاء” بين “التيّار” و”القوّات” في رحلة البحث عن ملء المقاعد المسيحيّة في حكومة الحريري الثالثة وكانت “القوّات” تُقدّم تنازلات الواحدة تلو الأخرى. فقد حدّدت مطالبها في بداية المفاوضات الحكومية بخمسة مقاعد تتضمّن حقيبة سياديّة ونائب رئيس الحكومة وحقيبتين خدماتيّتين لتنتهي بمعيار وضعه باسيل لا يعطيها إلا ثلاث حقائب مع نائب رئيس الحكومة. وحتى الساعات الأخيرة من المفاوضات الحكوميّة كان “التيّار” متصلّباً إزاء مطالب “القوّات” فيما كانت وسائل إعلامه تضخّ كلام التعبئة بانتصار مزعوم لـ”التيّار” بمبدأ المعيار الواحد، وكان المقصود منه حصّة “القوّات”.
خاضت معراب مفاوضات حكومية شاقة. أكثر من صيغة ضامنة لحصّتها حملها الرئيس المكلّف سعد الحريري لم تعترض عليها بعبدا لكن كان هناك من يهمس بضرورة التفاهم مع جبران باسيل فسقطت الصيغ القويّة التي أرادتها “القوّات” على الرغم من أنّ رئيسها الدكتور سمير جعجع “ناور” جيّداً واستخدم مختلف أنواع الأسلحة في المعركة ولكنّ سلاح “التيّار” في الحكومة كان فتّاكاً وأقوى. وبالنتيجة فإنّ ما طُرِحَ على “القوّات” في ربع الساعة الأخير كانت صيغاً غير مرضية بعدما عُرِضَ عليها حقائب غير وازنة ولم تحصل على حقيبة سياديّة ولا على حقيبتين خدماتيّتين ولم تحصل على الرقم “خمسة” الذي حدّدته كعدد لوزرائها في الحكومة.
ضاقت الخيارات كثيراً. بعدها عرض عليها التربية والعمل ليتبيّن أنّ “الاشتراكي” يتطلّع إلى البقاء في التربية ولا تريد معراب الاستيلاء على حصّة المختارة، فيما تبيّن أنّ “الثنائي الشيعي” يطالب بوزارة العمل والشؤون الاجتماعيّة فيما رَسَت آخر صيغة في التداول على أربعة حقائب من ضمنها نائب رئيس مجلس الوزراء مع حقائب العدل والثقافة ووزارة الإعلام وشؤون المرأة. لكنّ هذه الصيغ، في كل الأحوال، ليست مرضية لـ”القوات” التي خاضت مفاوضات حكوميّة شاقة وكان هناك من يسعى إلى إحراجها فإخراجها.
وبغض النظر عمّا يتردّد لجهة أنّ “القوّات” قدّمت الكثير من التنازلات وكانت من الخاسرين إذ حصلت على”أقل ممّا كانت تشتهيه” وبخلاف ما ورد في “ورقة إعلان النوايا” لكنّ وفق أوساط قوّاتية فإنّ ما حصل خلال المفاوضات الحكوميّة كشف أوراقاً كثيرة ويبقى مجرّد تفصيل فالأهم هو الحكومة المنتجة… وانتظرونا في الحكومة”. من دون شك فإنّ “القوّات” تدخُل في معالم مرحلة سياسيّة مختلفة بتدشين مسارها الحكومي بمصالحة مع “تيّار المردة” ما سيجعل التوازنات السياسيّة المقبلة على الشكل التالي، “القوّات” و”المردة” معاً للمرّة الأولى في الحكومة المقبلة و”التيّار” و”حزب الله” مجدّداً جنباً إلى جنب، تتويجاً لتحالف استراتيجي عميق ثبتته المواقف الرئاسيّة الداعمة لـ”حزب الله”.
وإذا كانت الحصة الوزارية أدّت إلى ظهور خلافات كثيرة باطنية تمّ إخفاؤها في ستار “ورقة إعلان النوايا” بين الحزبين المسيحيّين فإنّ استحقاقات كثيرة أخرى تنتظرهما، وتتّصل بالوضع المسيحي برمّته وبالخلاف على الزعامة المسيحيّة وباستحقاق 2022 الرئاسي.