في إطلالةٍ غير مألوفة لأحد نواب الأمة اللبنانية على تلفزيون “الجديد”، وللوهلةِ الأولى، ظنّ اللبنانيوّن عندما سمعوا نائباً يتكلم عن الفساد في المؤسسات الرقابية وعن القضاة الفاسدين، مع الإعلامي جورج صليبي، أنه ينتمي إلى “التيار البرتقالي”، لكثرةِ ما تكلّم عن التغيير والإصلاح. إلاّ أنهم عندما ضبطوا الصورة، أيقنوا أن هذا النائب ينتمي إلى “الحراس الذين لا ينامون”، هذا النائب ينتمي إلى تكتّل “الجمهورية القويّة”، إنه جورج عدوان.
لربما أنها المرة الأولى التي يبادر فيها نائب بكشف الفساد الذي طال بعض القضاة، لا بل أنهُ وجّهَ اتهاماً إلى القاضي جان فهد رئيس مجلس القضاء الأعلى، في موضوع التصدّي ل”نادي القضاة”. فبادر بالكلام عن ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي والقضاء، وأردفَ “في مشكلة بالقضاء”.
بدأَ من معهد الدروس القضائية، حيث روى أن رسوب إبن قاضٍ كبير أوقف دورة القضاة المتدرّجين لإنجاح إبن هذا القاضي بالقوةّ! وأنّ معهد الدروس القضائية رفض تدخّل هذا القاضي الذي لم يتورّع عن ذلك، بل لجأ إلى هيئة التشريع والإستشارات لتأمين الأرضيّة القانونية حتى لا يرمى إبنهُ على قارعةِ الطريق. أكثر من ذلك، فقد إنتقدَ عدوان القاضي فهد لتوجيهه كتاباً لكل قضاة لبنان، يمنعهم بموجبه بطريقة غير مباشرة من المشاركة ب”نادي القضاة”؛ لا سيما وأن هدف هذا النادي، هو تأمين استقلاليتهم من التدخّلات السياسية.
وهنا يتساءل اللبناني، هل أن النائب عدوان تكلّم عن القاضي فهد وغيره من القضاة الرفيعي المستوى بصفتهِ نائباً عن الأمة جمعاء، أم بصفتهِ رئيس لجنة الإدارة والعدل؟ فإذا ذكر أولئك القضاة بصفتهِ نائباً، كان يتعيّن عليه أن يذكر أسماءهم كاملةً، كونه يتمتّع بحصانة نيابية. وإذا كان يتناولهم بصفته رئيس لجنة الإدارة والعدل، فإن “شعبَ لبنان العظيم” ينتظر أن يقوم عدوان باستدعاء هؤلاء الذين ذكرهم لمساءلتهم أمام لجنة الإدارة والعدل.
وهنا، يأتي الإستفهام الأكبر، هل أنه قام بذلك بصفتهِ نائباً لقائد “القوات اللبنانية”؟ أكيد أكيد أكيد إنه لم يخاطب اللبنانيين بهذه الصفة، لأنه لو أراد الحكيم ذلك، لكان أعطى توجيهاته لنوابٍ آخرين لضرب أوكار الفساد في القضاء، لا سيما وأن أحد نوابه “الأشاوس” كان قاضياً، وهو يعرف مَن مِن زملائه فاسد، مَن مِن زملائه بقي في جبل لبنان والمحكمة العسكرية في النيابة العامة لثلاثة عشرة سنة ومظاهر الثراء الفاحش ظاهرة عليه. ولكن للأسف، إن “القوات اللبنانية” ليست بصدد الكشف عن مكامن الفساد في الجسم القضائي، كما ذكر عدوان من أعلى الهرم إلى أسفله. فـ”القوات اللبنانية” لم تكشف يوماً عن أي قاضٍ فاسد، لقلّتهم ربما، كما لن تخاطر ب”المؤسسة اللبنانية للإرسال” في معرض كشف المستور في القضاء.
وإزاء كل ذلك، يسأل اللبنانيون على مختلف انتماءاتهم وتوجّهاتهم، أينَ التفتيش القضائي بالمطلق؟ أين كان وزير العدل عندما ضبطَ منظومة التشكيلات القضائية؟ كيف قبل الرئيس الأول جان فهد بتشكيل قضاة ملاحقون أمام المجلس التأديبي؟ والأهم أين هو محارب الفساد الأول، رئيس “التغيير والإصلاح”؟ هل يعلم بتصرفات بعض المحامين والقضاة المحسوبين على العهد، بين عدليات جبل لبنان وبيروت؟ هل سيقوم بأي “تغيير وإصلاح” فعلي؟ أم ستبقى أفعاله وأعماله مقتصرة على نشاطه “الإنستاغرامي” حيث يدغدغ له متابعيه، أحلامه الرئاسية! وهل أن عدوان سيستدعي القضاة الذين أتى على ذكرهم على شاشة تلفزيون “الجديد”، أم أنه سيخذل اللبنانيين، كما يفعل الكثير من رجالات الدولة أو أشباهم.