تؤشر الاشتباكات المندلعة اعلامياً وافتراضياً إلى أن أوآن تأليف الحكومة لم يحن بعد، وبالتالي ليس على القوى المتصارعة من ملء الانتظار بخوض معارك وهمية في كل الاتجاهات وتحت عناوين مختلفة بل وصولها الى درك غير مسبوق.
بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي التي تضج بالشتائم والاتهامات، وبعيداً عن محاولات يائسة اعلامياً بالدفع عن تهمة التعطيل وتبادل التهم والقاء المسؤولية على الآخرين، يمكن التأكيد أن الاستنزاف الحاصل يأكل من رصيد كل الطبقة الحاكمة. فالجميع في مركب واحد، وهذا ما يفرض مواجهة الواقع ومقاربة تشكيل الحكومة في سياق معاكس لشروط الحصص والسطو على المقاعد.
ووفق قراءة سياسية، فإن التدهورالذي يجري بخطى متسارعة وينبغي استدراكه كان وراء الليونة التي ابداها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، فلم يبادر الطرف الآخر المتمثل بـ”التيار الوطني الحر” نحوه بأي خطوة مماثلة، حيث راهن الوزير”المفوض حكومياً” طويلاً على إمكانية الظفر بالثلث المعطل عبر توزيع حصصه بين التيار ورئيس الجمهورية والمقعد الدرزي الثالث، لكنه فوجئ بالرفض من الحليف، حيث عارض “حزب الله” منحه الثلث المعطل، ما اعطى انطباعاً بأن الشأن المسيحي هو في رأس سلم الاولويات عند التيار، وغيرها لا يعد سوى هوامش.
أكثر من ذلك، فقد كشفت مصادر سياسية بأن باسيل حاول التدخل لدى”حزب الله” لتطويق مطالب “القوات اللبنانية” من نافذة الرئيس نبيه بري، ليس من باب الوزارات الاربعة، بل لجهة الضغط على “القوات” للقبول بوزارة دولة وبحقائب لا تتمتع بحيثية .
وجاءت الانباء المتسربة عن المصالحة المرتقبة بين الزعيمين المسيحيين لتزيد من نسبة توتر “العونيين” رغم الترحيب الظاهر. فمداولات عين التينة مع الرئيس المكلف أفضت الى تثبيت وزارة الاشغال لتيار “المردة” وطي اقتراح إسناد وزارة الصحة طالما أن الأخيرة ستذهب لـ”حزب الله”، ما يزيد حكماً التعقيد امام الوزير باسيل لكونه سيتقاسم المقاعد المسيحية ليس مع قوى متفرقة، بل مع نواة حكومية صلبة سياسياً و شعبياً، ما يزيد من صعوبة التعامل معها داخل حكومة “العهد القوي”.
فضلاً عن ذلك، فالجميع يدرك رمزية الوزير سليمان فرنجية لدى قيادة وجمهور المقاومة كما البيئة الشعبية لـ”حزب الله”، وهو يذهب نحو مصالحة مع سمير جعجع ما يجعل نتائجها لا تنحصر بالشق المسيحي، وهي ستؤثر على وضعية “التيار الوطني الحر”، ما يزيد من حراجة “التيار البرتقالي”، في داخل الحكومة كما في خارجها.